أعلن مؤسس عملاق الشبكات الاجتماعية ( Facebook) مارك زوكربيرج Mark Zuckerberg قبل اسبوع تقريباً أن عدد مستخدمي الفيس بوك وصل إلى نصف مليار (500 مليون) مستخدم في غضون ست سنوات منذ إطلاقه عام 2004. هذا الرقم من عدد المستخدمين وهذه الفترة الزمنية هي نفس الفترة التي استغرقها انتشار استخدام الإنترنت – ككل – منذ بداية شيوعها للعامة في عام 1995 حتى عام 2001 ليصل إلى ما يقرب من 513 مليون مستخدم. وقد أكد زوكربيرج أن الفيس بوك عازم على تخطي المليار مستخدم ولن يستغرق ذلك زمناً طويلاً كما ورد في صحيفة النيويورك تايمز.
وبذلك يعلن الفيس بوك ريادته في قطاع شبكات التواصل الاجتماعي (Social networks)، وتفوقه على اقرانه من أمثال تويتر ( Twitter ) و ماي سبيس ( MySpace ) و لينكيدين ( Linkedin )و منتجي جوجل ( Buzz and Orkut) و بيبو (bebo) وغيرهم، ذلك وفقاً لتقرير موقع اخبار البي بي سي news.bbc.co.uk والذي عرض لمدى شيوعية عدد من تلك الشبكات في عدد من الدول بناءً على تقييم مؤسسة نيلسين Nielsen.com. حيث كان الفيس بوك متجاوزً اقارنه بفوارق كبيره في عدد من دول العالم.
ولكي نتعرف أكثر على أمبرطورية الفيس بوك؛ فقد طالعنا نيك بورشير Nick Burcher في مدونته بعدد المستخدمين جغرافيا (وفقا للدول)، حيث جاءت الولايات المتحدة الامريكية في طليعة القائمة من حيث عدد المستخدمين المسجلين في نطاقها الجغرافي والبالغ ( 125,881,220 ) مستخدماً، تلاها المملكة المتحدة ب (26,543,600 ) وقد احتلت اندونيسيا من حيث عدد المستخدمين للفيس بوك المركز الثالث ب ( 25,912,960)، عقبها في المركز الرابع تركيا ب(22,552,540 )، والخامس كان من نصيب مواطني فرنسا ب ( 18,942,220) كل هذه الارقام كانت إلى بداية شهر يوليو من هذا العالم 2010 . أما على صعيد شعبية الفيس بوك بين افراد القطر الواحد فقد عرضت صحيفة الجارديان قائمة بذلك، وقد تصدرها هونج كونج بنسبة 48.5 % من أجمالي عدد السكان البالغ تقريبا سبع مئة ألف نسمة، ليكون عدد المستخدمين فيها ما يقرب من 340 ألف نسمة. تلاها في المرتبة الثانية كندا بنسبة 45% من أجمالي عدد السكان البالغ ( 34077000). أما المملكة المتحدة (بريطانيا) فقد جاءت في المرتبة الثالثة بنسبة 42.78% من اجمالي السكان البالغ 62 مليون نسمة، ليكون لدينا عدد المستخدمين الذي ذكرناه انفاً. الولايات المتحدة والتي احتلت المركز الاول من حيث عدد المستخدمين والذي بلغ ما سبق ذكره ( 125,881,220 ) فقد احتلت المرتبة الرابعة بنسبة 40.7% من اجمالي السكان البالغ 309 مليون نسمة. المرتبة الخامسة كان من نصيب دولة التشيلي بنسبة 40.6% من عدد سكان الدولة والبالغ 17 مليون نسمة.
أما في الاقليم العربي؛ فقد سجلت مصر أعلى الدول العربية أستخداماً، حيث بلغ عدد المستخدمين بها (3,581,460 ) أي ما نسبته 4.7% من اجمالي عدد السكان البالغ 78 مليون نسمة. وجاءت تونس في المركز الثاني من حيث عدد المستخدمين بما يقدر بمليون ونصف مستخدم والذي يعادل 15% من عدد السكان البالغ عشرة ملايين نسمة تقريباً. واحتلت البحرين وقطر المرتبتين الخامسة عشر والسابعة عشر في قائمة شعبية الفيس بوك بين افراد الدول، حيث جاءت النسبة 28.36% للبحرين بفارق طفيف عن قطر والتي كانت بنسبة 28.16%. بعض من الدول العربية لم يتم عرض المسجلين في نطاقها الجغرافي كالمملكة العربية السعودية وسوريا والسودان وغيرهم.
إن نصف مليار مستخدم للفيس بوك من إجمالي التعدد السكاني العالمي والبالغ (6,853,019,414) نسمة وفقاً لمكتب الاحصاء السكاني الامريكي حتى بداية هذا الشهر (يوليو-2010)، هذا الرقم يشكل ما نسبته (7.29%) من سكان العالم هم مستخدمون للفيس بوك، وهذه النسبة ليست بغير المعتبرة لاسيما أن التقنية سريعة الانتشار، ناهيك عن كونها اصبحت اقل كلفة من سابق. وعودة إلى المقارنة مع عدد مستخدمي الأنترنت ككل فإن النسبة ستكون عالية هنا، فوفقاً لموقع احصائيات استخدام ومستخدمي الانترنت (Internet World Stats) فإن عدد المستخدمين حتى نهاية العام الماضي 2009 بلغ (1,802,330,457) مستخدماً ليكون نسبة مستخدمي الفيس بوك من اجمالي مستخدمي الانترنت هو (27.7%). ذاك يثبت أن الفيس بوك يبني امبراطوريته ويتوسع في كافة اصقاع العالم، محققاً في ذلك شعبية كبرى، وبطبيعة الحال أن هذا الانتشار رافقه مواقف معارضة ومتحفظة لممارسات أو تطبيقات ارتسمها هذا الامبرطور القادم، كما هو الحال مع غيره من اباطرة صناعة المعلومات من امثال مايكروسوفت وجوجل وآبل وغيرهم.
إن هذه الاحصائيات تعطينا مؤشرات عديدة، لعل من أبرزها أن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل حراك اجتماعي وثقافي لدى اغلب افراد المجتمعات حيث اصبحت توفر لهم متطلبات تخطت مرحلة الكماليات إلى مرحلة الضروريات. ولعل أهم تلك المتطلبات هي الاتصال والتواصل مع الاصدقاء والأقارب الذين ربما انقطعت الصلات بينهم لعوامل المكان او الزمان، حيث اتاحة تلك الشبكات الاجتماعية فرضية الالتقاء أو كما يقال (مصير الحي يتلاقى) بين اصدقاء قداما جمعت بينهم فصول الدراسة أو حقول الاهتمام المهني أو الموضوعي، أو حتى اللقاء العابر أو الصديق الوسط كما يمكن أن يقال، في بيئة افتراضية نسيجها من الويب WWW. التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو؛ هل الجانب الاجتماعي هو الجانب الذي كان يبحث عنه المستخدم للويب، واستطاعت هذه المواقع امثال الفيس بوك وتويتر وماي سبيس وبز وبيبو ،وغيرها، بتوفيرها؟ في حقيقة الامر الإجابة عن هذا التساؤل ليس بالأمر الهين، إلا أن ما اوجدته تطبيقات الويب تو ( Web 2.0) من إتاحة الفرصة للفرد بالمساهمة في المحتوى والإضافة له، ووجود امكانية وسهولة إنشاء العالم الافتراضي الشخصي، حيث اصبح من السهل على الفرد بإنشاء صفحة أو موقع خاص به، من دون الحاجة للخوض في معرفة اكواد التصميم، والتحكم بمحتواه من حيث اختيار ما يود اضافته، وتحديد من يحق له الاطلاع عليها وبالكيفية التي يحددها الفرد، ذلك حفز الافراد للانخراط في مثل تلك الشبكات. ناهيك عن كون مثل تلك الشبكات سنحت للعديد من الافراد بإيصال اصواتهم لنطاق اوسع من مجتمعهم المحيط بهم، وخلق فرص النقاش والحوار. وفي هذا السياق اتاحة مثل تلك الشبكات فرص الانخراط فيما يعرف بكرنفالات تقمص الشخصيات أوالحفلات التنكرية، حيث أن العديد من تلك الشبكات لا تطلب من المستخدم أن يفصح عن هويته الحقيقية، مما يجعله يحصل على نوع من الحرية التي تسنح له أن ينفذ إلى العالم الافتراضي، وهنا، فلا حدود جغرافية ولا زمانية ولا لغوية ، مع التحطم الجزئي للجدار اللغوي، تقف أمام إيصال صوته. بالفعل يا له من عالم خيالي أخترق حواجز كانت لدى افراد المجتمعات، ليخلق لهم نوعاً من الحريات والإمكانات التي لم تكن متوافرة في سابق العهد. بيد أن هذه الحريات لابد أن تقف عند ضوابط عدم المساس بالاخرين، ولكون الفيس بوك هو حراك شعبي تقوده المجتمعات لذا فهو من الاولويات، ولعل التجارب التي مر به الفيس بوك اكسبته قدرة على التعامل مع ما يعرف بالخيار الشعبي في إبقاء المحتوى أو حذفه. النماذج بهذا الخصوص كثيرة ولا يفوتنا هنا ذكر موقف ادارة الفيس بوك مع صفحة مسابقة الرسوم المسيئة لخير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن قامت الحكومة الباكستانية بحجب الوصول إلى الفيس بوك ومخاطبة المسؤلين مما دعى الفيس بوك لإلغاء تلك الصفحة.
إضافة إلى ذلك فقد فتح الفيس بوك بيئة محفزة لإثراء المحتوى المعرفي والمشاركة المعرفية بين الاصدقاء، فمن السهولة بمكان أن تثري محتوى صفحتك من خلال إضافة روابط خارجية لمواقع أو لملفات فيديو أو صور أو حتى التدوين على حائطك الخاص، ومن ثم تحدد الصلاحيات لمن يحق له الاطلاع على ذلك. من هذا المنطلق ذكرت آليكس كروتوسكي أحد ابرز الأسباب التى جعلته يتصدر هذه النوعية من الشبكات، كونه المكان الذي تضع فيه ما تريد. إضافة إلى إمكانية إثراء محتوى الفيس بوك من داخله يمكنك إضافة المحتوى حتى وأنت خارج نطاق الشبكة، فلا يكاد يخلوا موقع على الويب من وجود ايقونة الفيس بوك للمشاركة بمحتوى الموقع على حائط المستخدم في الفيس بوك، ناهيك عن امكانية استخدام هاتفك المحمول لتصفح الفيس بوك والإضافة له مباشرة. هذه الامكانيات المتوافرة بالفعل جعلت الفيس بوك يتفوق على منافسيه بيد أن الطريق لا يكون مخضراً دوماً فلا بد من الشوك يعترض الطريق، فقد واجه الفيس بوك اشكاليات كثيرة لعل ابرزها ما أثير مؤخراً أن الفيس بوك كان يتاجر بالمعلومات الشخصية للمستخدمين وهذه تعد من النقاط المحضورة والمعروفة بالخصوصية المعلوماتية، مما جعل الفيس بوك يطالعنا في منتصف هذا العام بنموذج جديد للتحكم في المعلومات الشخصية للمستخدم أكثر شمولية ومرونة في آن واحد، وما ذكر ايضاً من ضعف الفيس بوك لحماية معلومات المستخدمين مما أدى إلى تسرب معلومات شخصية لمستخدمي الفيس بوك، وفي هذا السياق ما ورد عن تسرب معلومات شخصية لأكثر من 100 مليون مستخدم على الفيس بوك.
أما من ناحية كهانوت الفيس بوك، فإن ما هو متاح بين اروقة الفيس بوك لا يمكن أن يخرج خارج تلك الاروقة، إلا بإذن دخول من خلال عضويتك في الفيس بوك، إضافة إلى إذن مشرع من قبل مالك تلك المعلومة للإطلاع عليها. هذا الاسلوب هو ما يمكن أن نمثله فيما عرف بالكهانوت الكنسي للمعرفة في عصور الظلام، فلم يكن يسمح للأفراد الاعتيادين بالولوج إلى مخازن وذخائر الكتب والمخطوطات في الكنائس، وإن سمح لهم بالدخول إلى تلك المخازن، فإن ليس كل ما تصل له اليد يمكن أن يتصفح، إلا بإذن من الخازن أو القائم على تلك المكتبة. إذن فإن محتوى الفيس بوك، يعد تجاوزاً ،من ما يعرف بالويب الخفي الذي لا يعلم عنه الكثير ولا يستطيع الوصول له الكثير. والويب الخفي \ العميق Hidden or Deep web في عالم الانترنت يعد من الاشكاليات التي يسعى الباحثين والمعاهد والمؤسسات لإستنباط محتواه للباحث عن المعلومة، ولعل محركات البحث والأدلة وأدوات التنقيب عن المعلومات المتعددة الاشكال والأغراض يحذوها الامل إلى الغوص في أعماق الويب لإستخراج هذا المحتوى. وليس هناك أدنى شك، في كون ما يحويه الفيس بوك من معلومات ذات قيمة علمية واجتماعية وثقافية، وكون تلك المعلومات تحت تلك القيود مدعاة لمصداقية التشبيه، خصوصاً أن محركات البحث ليس لها الامكانية الكافية للبحث في كافة صفحات الفيس بوك، ناهيك عن كون محرك البحث الخاص بالفيس بوك مقارنة بمحركات البحث المعروفة من حيث الامكانيات والخصائص يعد ضعيف ونطاقه محصور جداً.
أمام هذه الامبراطورية الواعده وهذا الكهانوت المتسلط، نجد أنفسنا مدعوين للمشاركة في هذه الثورة التقنية التي اجتاحت العالم بأسره، وأصبح افرد المجتمع الكبير منهم والصغير، الرجل منهم والمرأة العالم منهم والمتعلم، الغني منهم والفقير، منخرطين في هذا السياق ولم تعد حكراً على طبقة معينة أو فئة بعينها. لذا فإننا ملزمين بمعرفة هذه التقنية وتطبيقاتها ومجالاتها وفن التعامل معها، فالجيل القادم أو ما يعرف بجيل النت ( Net-Gen) أو جيل التقنية ( Tech-Gen) مهيأ للدخول في هذا العالم بقوة وما يحتاجه منا هو التوعية ورسم المسار الذي سيسلكونه، وإن وجدوا منا الإحجام أو الرفض فسيسلكوا الطريق، ولكن قد يظلوا الطريق، أو يعبروا حواجز المحظور، فلم نعد على مفترق طرق حتى نحدد خيارتنا؛ إما المسير أو التراجع، فجميعنا الان على مركب واحد اسمه (عصر المعلومات Information era- إنفوايرا Info-era ) يتجه باتجاه واحد، فإما أن نكون على ظهر ذلك المركب، وإلا فإن الامواج العاتية ستلقي بنا بعيد في أعماق بحر لجي لن يفتر عن إغراقنا في اعماقه. إنه نداء للكل؛ بأن نستثمر هذه التقنية أياً كانت؛ الفيس بوك أو تويتر أو الماي سبيس أو غيرها، ونتعامل معها ونتفهمها، ونأخذ بصالحها ونركم طالحها.
الكاتب:
سليمان سالم الشهري
باحث ومهتم بقضايا المعلومات
جلاسكو – المملكة المتحدة
مواضيع مشابهة:
- الفيس بوك ومواقع اخرى تسرب معلومات المستخدمين لشركات الإعلان !!!
- المزيد من الخصوصية لحسابات الفيس بوك
- OpenBook: البحث في "خصوصية" مستخدمي الفيس بوك